دراسة خط الأساس لظاهرة الاتجار بالفتيات والنساء لقرى غرب النيل

 

الغرض من الدراسة
لكي يسهل تحديد أوجه التدخل والعمل مع ظاهرة الاتجار في النساء والفتيات بالقرى المستهدفة، لابد من دراسة وتحليل الوضع الراهن بالمجتمعات محل الدراسة والذي تنتشر بها ظاهرة الاتجار في النساء والفتيات بشكل ملفت وتتأثر بها العديد من النساء مما يشكل خطراً على أعداد أخرى من الفتيات والسيدات بالمجتمعات، ويتسبب في مشكلات اجتماعية ونفسية وصحية جسيمة لتلك الفئة

 الهدف العام:
تهدف الدراسة إلى الوقوف على الوضع الحالي للفتيات والسيدات المتأثرات والمعرضات لخطر الاتجار بهن، والتعرف على الظروف المعيشية لهن ولأسرهن.
ومن أجل ذلك يجب التعرف على:

حجم المشكلة (عدد حالات الاتجار) تقريبيًا على مستوى المجتمع

وعي الفئات المستهدفة بالقضية وأبعادها ومخاطرها والموقف منها

احتياجات/قدرات/تطلعات/ميول/رغبات الحالات الحالية والمعرضة للخطر

إحساس الحالات الحالية باحترام الذات

دور الأطراف المستفيدة من الظاهرة ودوافعها.

اختيار مجتمع الدراسة والعينة
تم اختيار القرى والمراكز المستفيدة (مدينة الحوامدية ، قرية منيل شيحه، قرية العزيزية،- بمحافظة الجيزة.) كمجتمع مستهدف للعمل في تنفيذ تدخلات المشروع، ،
وقد تم تحديد الفئات المستهدفة واختيار العينة من خلال تراكم المعلومات الواردة بخريطة المجتمع وتحليل الأطراف المعنية، ووفق ما تم الاتفاق عليه من واقع المناقشات خلال ورشة العمل واللقاءات بين الفريق الاستشاري على المستوى المكتبي والميداني والخاصة بالتدريب على منظومة المتابعة والتقويم، ومراجعة النتائج والأهداف الخاصة بالمشروع وكذلك مراجعة الوثائق والدراسات السابقة.

نتائج دراسة خط الأساس

حجم المشكلة : عدد حالات الاتجار بالفتيات

وتشير نتائج المقابلات ووفق ما أكده الشركاء إلى أن إجمالي عدد حالات هذا الزواج الموجودة بلغ حوالي 5000 حالة، وأغلب هذه الحالات هي زواج عرفي يعقده المحامي بالاتفاق مع السمسار وأسرة الفتاة والرجل العربي.

بينما لا يتعدى عدد الحالات التي توثق الزواج رسمياً وفق الشرع والقانون 100 (مائة) حالة فقط.
كما رصد الفريق بعض الحالات القليلة من زواج المتعة قصير الأمد، بما يشبه الدعارة إلى حد كبير. حيث أن كل تلك الأشكال من الزيجات تدر عائداً كبيراً وغير مألوف في هذه المجتمعات الفقيرة بالرغم من كونه عائداً قليلاً وزهيداً في مجتمعات الحضر المجاورة

بالإضافة إلى ذلك يشير بعض المشاركين إلى وجود عدد يتجاوز الـ80 فتاة يعملن في الخدمة المنزلية ممن تتراوح أعمارهن بين 14 و18 سنة، ويعملن في مناطق المعادي ومصر الجديدة، وهن في الغالب يساعدن أمهاتهن في العمل كخادمة منزلية، وتكون مهامهم التنظيف والغسيل.

جنسيات وأعمار الأزواج

رصد أغلب المشاركين عدة جنسيات عربية للأزواج في زواج الصفقة في مدينة الحوامدية والقرى التابعة لها، وكان في مقدمتها جنسية المملكة العربية السعودية تليها دولة الإمارات العربية، ثم المملكة الأردنية ثم دولة الكويت. ويشهد المجتمع في السنوات الأخيرة  صعودًا في أعداد الأزواج المنتمين لدولة الإمارات ويتندر بعض سكان المجتمع على تلك الحالة بالقول
" المنطقة دلوقتي هي الإمارة السابعة لدولة الإمارات

ظاهرة الاتجار بالفتيات في المجتمع

بدأت ظاهرة زواج العرب من المصريات في هذه المنطقة في أوائل التسعينيات، واستمرت في الوجود والتزايد ثم بدأت تستقر معدلاتها وربما بزيادة بسيطة في السنوات التسع الأخيرة، كما أنها انحرفت عن الإطار القانوني والأخلاقي للزواج الشرعي والرسمي الذي بدأت به، وذلك بزواج الرجال المسنين والمعاقين من فتيات صغيرات، ثم أخذت أعداد الزيجات في التراجع في العامين الأخيرين، ويرجع ذلك إلى:

 صعوبة الحصول على تصريح الزواج من السفارة التي يتبع لها الزوج العربي، ولأن السعودية لا تشترط الموافقة على زواج رجالها من خارج السعودية، أصبح السعوديون هم الأكثر زواجاً من تلك القرية.

الإعلامية حول تلك الظاهرة والتشهير بها والتوعية ضدها، حيث أثرت الحملة على إقبال العرب على الزواج من تلك المناطق بمحافظة الجيزة.

نظرة المجتمع لتلك الصفقات، حيث أصبحت تلك الزيجات شيئًا مشينًا للأسرة والفتاة خاصة تلك الزيجات التي تتم بشكل عرفي أو لغرض المتعة.

قلة العائد المادي التي تحصل عليه أسرة الفتاة عما كانت تحصل عليه الأسر في الماضي القريب، حيث يلتهم السمسار والمحامي النسبة الأكبر من أموال ذلك العربي المدفوعة نظير تلك الزيجة.

تراجع أعداد العرب القادمين لمصر بسبب التخوفات الأمنية لدى السائحين والزوار العرب وخاصة الذين يقبلون على الزواج من فتيات مصريات فترة إقامتهم في مصر.

 الظروف المعيشية للحالات الحالية والمعرضات للخطر
مصادر الدخل
لا يوجد مصدر دخل لهؤلاء الفتيات والسيدات المطلقات منهن، ويعتمدن في الأغلب على ما تبقى من الأموال التي حصلت عليها الأسرة عند الزواج
وأيضاً يعتمدن على ما ينفقه الأب أو الأخ الأكبر عليهن، وتنفق الفتيات والسيدات على المأكل والملبس وعلى الطفل إن وجد،
وهناك فجوة بين الدخل والإنفاق يتم تعويضها بالمعونات والمساعدات من الجمعيات أو الاقتراض من الأقارب والأهل.
هناك أسر كثيرة جداً لا توافق على عمل الفتيات سواء قبل الزواج أو بعد الطلاق خوفًا عليهن من الاختطاف أو الاغتصاب أو التحرش بهن، لذلك فلا يوجد مصدر دخل لهؤلاء الفتيات.

الدوافع والأسباب التي دفعت للزواج من عربي

تتعدد الدوافع والأسباب التي تدفع الفتاة للتفكير والرغبة واللجوء لهذا الزواج، وتدور أغلبها حول الدوافع الاقتصادية مثل:

فقر الأسرة وقلة إمكانياتها المالية، مع عدم وجود مورد رزق ثابت

زيادة عدد أفراد الأسرة وخاصة البنات مما يدفع الفتاه "للتضحية بنفسها" وتوافق على زواج الصفقة من أجل أخواتها

عدم رغبة الأسر والفتيات في الزواج من شباب مصري من المجتمع، بسبب المغالاة في نفقات الزواج من الشباب المصريين، فتقاليد القرية تفرض على أهل الفتاة المناصفة مع العريس في متطلبات الزواج حسب الاتفاقات
 تقليد وتكرار النجاح الذي حققته بعض الحالات الناجحة لفتيات تزوجن من عرب وتحسنت أحوالهن بشكل كبير وحققن ثراءً ملحوظاً، فجعلت الزواج من العرب حلم للجميع. ولسان حالهن يقول: "البنت يتهيأ لها أنها ها تعيش في مستوى أحسن ... البنت عايزة تعيش عيشة ثانية"

العادات والتقاليد السائدة في المجتمع والخاصة بالمهور وتكاليف الزواج والمغالاة في نفقات الزواج من الشباب المصري، وعدم القدرة المادية للإنفاق على تجهيز الفتاة للزواج وفق تقاليد وعادات المجتمع، حيث تتراوح تكاليف الزواج ما بين 20 ألف إلى 50 ألف جنيه بالإضافة إلى العادات التي تكلف الأسرة الكثير من المال بعد الزواج ولمدة شهر أو شهرين - (العشيان) أي إرسال عشاء إلى الابنة التي تزوجت لمدة 4- 7 أسابيع. ويقول البعض :
 لما الأسرة تكون ظروفها علي قدها لازم تجوز عيالها برة" و " جهاز البنت غالي جدا أقل واحدة يوصل جهازها من 20 إلى 50 ألف، البنت الأحسن إيه لأبوها.... انه يبيع قيراطين أرض عشان يجوزها في البلد ....ولا ياخد فلوس وعائد من جوازها من عرب"

الرغبة في زيادة دخل الأسرة وبناء منازل فاخرة عن طريق تزويج البنات من عرب وتحسين المكانة الاجتماعية من خلال رفع مستواهم المادي

التسرب والفشل الدراسي وعدم تحقيق النجاح في الشهادة الإعدادية أو الثانوية

ارتفاع قيمة الزواج مبكراً والخوف من عنوسة الفتيات يجعل الأسر تسارع في تزويج الفتاة قبل سن العشرين سنة بسنوات، وذلك بسبب خوف الأسر على فتياتها من المخاطر والانحراف
سوء معاملة البنات داخل الأسر مما يحفزها لقبول الزواج من العرب وفي سن مبكرة أيضاً.

الاهتمام بالتعليم

يرتبط استمرار الفتاة في التعليم وموافقة الأسرة على ذلك بعدد من العوامل:
* الظروف الاقتصادية للأسرة
* رغبة الأبناء في استكمال التعليم.
فالأسر التي يمكن أن تتحمل تكاليف التعليم تلحق بناتها بالتعليم وتسعى للتفوق أيضاً، أما الأسر الفقيرة فتكتفي بتعليم البنات في المرحلة الابتدائية والإعدادية أو الثانوي الفني على الأكثر.
كما أن جودة التعليم وظروفه واستعداد البنت للنجاح يساهم في دفع الأسر على تعليم الفتاة حتى الإعدادية أو الثانوية على الأكثر. ولكن ضعف جودة التعليم وسوء حالته ومعاملة المدرسين السيئة وكثرة التحرشات من جانب الشباب بالطالبات تساهم في رفض الفتيات لاستكمال التعليم.

وتضعف نسب التحاق الفتيات بالتعليم وذلك لما يلي:

إعلاء قيمة الزواج المبكر للفتيات، وينتشر مصطلح " الزواج سترة للبنت"

إهدار قيمة تعليم الفتيات لدي المجتمع فهم يرون أنها حتماً لبيت زوجها فلا جدوى من تعليمها فهو مضيعة للوقت وإهدار للمال وكذلك أمان لها أن تكون داخل منزل الأسرة حتى يأتي عريسها

زيادة عدد أفراد الأسرة الواحدة وكثرة عدد البنات بها ساعد على إعلاء قيمة الزواج على قيمة التعليم. 

 وعي الفئات المستهدفة بالقضية وأبعادها ومخاطرها والموقف منها

درجة وعي السيدات المتزوجات أو سبق لهن الزواج

تبين لنا انخفاض درجة الوعي والإحساس بخطورة المشكلة لدى السيدات المتزوجات من عرب، بل واتضح أن هناك حالة من التناقض مع النفس واللامبالاة بخطورة المشكلة، بالرغم من شكواهن والسابقات لهن في التجربة من التداعيات والمشكلات المترتبة على الانفصال والعودة لمنزل الأسرة بحمل أو طفل بدون أوراق ثبوتية أو اعتراف بنسبه لأبوه العربي. فلا هَمّ لهن إلا المال من عائد هذا الزواج.

درجة وعي الفتيات المعرضات

يرتفع الوعي إلى حد ما لدى الفتيات المعرضات للزواج من عرب، بشكل أكبر من درجة وعي الفتيات اللواتي تأثرن بالمشكلة بالفعل، لكنهن يرغبن في تقليد وتكرار التجارب الناجحة والتي كانت في الثمانينيات، ويجعلنها المثال الذي يجب أن يتكرر، طمعاً في المال والذهب والملابس والهدايا والعيش في سعة على حد قولهن.
وبتأثير حيل وإقناع وتفاوض السمسار ومعاونيه تجد الفتيات المعرضات طريقهن للقبول وتحقيق رغباتهن وأحلامهن، وذلك بالرغم من وضوح الحالات التي فشلت وعانت كثيراً جراء هذه الزيجة غير المتكافئة.

درجة وعي أمهات وآباء الفتيات المعرضات 

على عكس ما تم الوقوف عليه من انخفاض درجات الوعي بخطورة المشكلة نجد ارتفاع درجة وعي إلى حد ما لدى أسر الفتيات المعرضات، فبالرغم من الفقر والحاجة الماسة لرفع مستوى المعيشة جاء رفضهم لهذه الزيجات وإحساسهم بشئ من الخطر سوف تتعرض له بناتهم، وكانت بعض دوافعهم للرفض أن هذا الزواج غالبًا يكون غير رسمي (عرفي) ويتحول بعد ذلك إلى متعة من أجل الحصول على المبالغ التي تدفع في البداية وغالبًا يتم إنفاق جزء كبير من هذا المبلغ على الفرح والاحتفال، كما لا يوجد مؤخر ولا محل للزوجية، بل ويزيد البعض في هواجس الخطر التي يشعر بها ويقول:
"  إذا البنت حملت نجيب الزوج ده منين؟ ".

درجة وعي أباء لسيدات المتزوجات

في مقابل ارتفاع درجة وعي وإحساس أسر الفتيات المعرضات بالمشكلة وخطورتها، نجد جهلا شبه تام لآباء وأمهات السيدات المتزوجات من عرب بحقوق بناتهم القانونية والمادية، وتوجد فئة قليلة من الآباء يعرفون حقوق بناتهم في حالة الزواج من عرب وهي في نظرهم النفقة والمؤخر في حالة الطلاق.

إحساس الحالات الحالية باحترام الذات
نظرة المجتمع لها
ينظر المجتمع للفتيات المتأثرات بمشكلة زواج الصفقة نظرة فيها تحقير وازدراء، ويرمي الرجال هؤلاء الفتيات بتشبيهات سيئة عدائية رافضة، ويؤكدون أنهن منحدرات من أسر وافدة للقرية وليست من العائلات الأصيلة بالقرية. أما السيدات بالقرية، فعادة ما يتناولن سيرة هؤلاء الفتيات بالألفاظ السيئة النابية وتكون النميمة هي الوسيلة المفضلة للخوض في سيرتهن باعتبارهن فتيات غير شريفات بعن أنفسهن بمساعدة أسرهن.

إلا أن هناك فئة قليلة تتعاطف مع الحالات وتنظر لها على أنها ضحية الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. وهذه الفئة ليست كبيرة في هذا المجتمع، فهم من المتعلمين ومن العاملين في مجال التنمية والعمل الأهلي والاجتماعي.

إحساس الحالات الحالية باحترام الذات
 نظرة الحالة إلى نفسها

تنظر أغلب الفتيات سواء كن مطلقات أو منفصلات أو متزوجات إلى انفسهن على أنهن رخيصات الثمن تم الاتجار بهن مرة وأصبحن هن التاجرات بعد ذلك بسبب ما حدث لهن ورفض المجتمع لهن ومعاداته لهن. وينظر البعض منهن لأنفسهن على أنهن وبالرغم من تلك الوصمة فهن افضل حالاً من بنات طموه، وعلى حد قولهن : "الواحدة هنا اتجوزت مرة واحدة ولو رحت طموه تلاقي الواحدة مش عارفة اتجوزت كام مرة فى الشهر"!" إحنا بقينا مصلحة بيجي السمسار بيقول تعالى يافلانة عاوزك في مصلحة وبيقولها المدة 10 أيام بعدها أخلعي".

 إحساس الحالات الحالية باحترام الذات

 نظرة الأسرة لها
تُعتبر الفتاه داخل الأسرة سلعة يجب استثمارها والاستفادة منها عن طريق زواجها من عرب، حيث تعتبر مصدرًا للمال الذي يساعدهم على بناء المنازل وشراء الأراضى وفتح مشروعات تجارية مثل السوبر ماركت، ويمكن أن توفر لبعض أفراد أسرتها مثل الأخوة الذكور أو الأب فرص عمل بالخارج في بلد الزوج العربي. كما تنظر الأسرة والأسر المحيطة بها في المجتمع إلى الفتاة نظرة قاسية وخاصة إذا طلقت أو انفصلت عن الرجل العربي، حيث يعتبرونها السبب في فشل الزواج، ويسارعون لتزويجها من أول عريس يتقدم بدون أية شروط سواء كان عربياً أو مصرياً. وتكون الفتاة هي صاحبة الأمر والقرار في علاقتها بالعريس المصري أو أي عريس آخر بعد تجربتها الفاشلة.

 الأطراف التي قد تؤيد ظاهرة الاتجار الأسباب والدوافع

الدور الذي يلعبه كل من المحامي السمسار ومستخرجي الأوراق الدلالة وكيفية أداء ادوراهم

إعداد دكتور عزة كامل 2015