إشكالية أدب الأطفال في صياغة الهويّة اللبنانية

أربعاء, 04/03/2019 - 01:21 -- siteadmin

يعدّ أدب الأطفال من ركائز التربية والتعلم وغرس القيم، وله وظائف علاجية ونفسية واجتماعية وتربوية لا حصر لها، فهو يعدّ بمنزلة اللؤلؤة الغنية بجواهرها، وله دور مهمّ في نشر قيم المحبة والتسامح والسلام والحرية والانفتاح والبعد من التعصب والعنصرية، ما يطرح الأسئلة الآتية: هل يأخذ هذا الأدب حقّه في المدارس والجامعات والمؤلفات الموجّهة للأطفال في لبنان؟ وهل ما يُكتب يُعنى بتراث هذا البلد وهويته ودوره الثقافي؟ وهل يدرك القيّمون الأهمية الكبيرة لهذا الفن؟

الواقع أن موضوع أدب الطفل ليس بالبسيط، وتعتري الخائض في غماره صعوبات جمة، نظراً إلى الحاجة الملحة إلى دراسة زواياه دراسة ميدانية موضوعية إحصائية تتّسم بالدقة.

ومع ذلك، نظرة سريعة إلى ما يُكتب من أدب أطفال في لبنان ترينا حجم الأزمة التي يعانيها هذا الفنّ، وهي أزمة ناتجة أساساً عن النظرة الدونية إلى هذا الفنّ، وعدم ترسيخه في المناهج الدراسية حتى الجامعية. صحيحٌ أن الجامعة اللبنانية، تحديداً في كلية الآداب، أدخلت هذه المادة مقرراً إلزامياً في البداية مع نظام (ال ام دي)، لكن سرعان ما أضحت مع التعديلات اختيارية وشبه مهملة في بعض الكليات.

وينسحب الإهمال على قطاعات مهمة، ككليات التربية وتدريب المعلمين. صحيحٌ أن هناك مواد مهمة في السوق للأطفال تؤلف وتعدّ سنوياً، لكن قضية الهوية الثقافية قلما تستحوذ على اهتمامات الكتّاب! ولعل هذا ناتج عن التنوع الثقافي والمذهبي والديني في هذا البلد، وعدم الاتفاق على تاريخ موحّد ورؤية موحدة إلى هذا البلد الصغير وقضاياه، ولذا، لا غرابة إن وجدنا القصص مثلاً بعيدة من فكرة ترسيخ الهوية الثقافية الموحدة.

ففي كل القوالب المقدَّمة للأطفال مثل القصص والأشعار والروايات والأناشيد، والقصص البوليسية وقصص الحيوانات والقرى والمسرحيات، نادراً ما نجد البعد الداعم للتعايش والانفتاح، فأين مثلاً قصص الأطفال التي تعرِّف الأطفال بتاريخ القرى اللبنانية وسبب تسميتها وأعلامها وتقاليدها وعاداتها؟ وأين القصص التي تعلّم الطفل حدود وطنه والموقف من مجازر إسرائيل واحتلالها لأجزاء من لبنان؟ وأين قصص الفولكلور والطبيعة اللبنانية والأرز والأنهار والغابات؟ وأين قصص المبدعين اللبنانيين كالعالِم الصبّاح وغيره؟ وأين قصص الفنانين وأثرهم العربي والعالمي؟

والغريب غياب المؤسسات التي تدعم أدباء الأطفال، وغياب التحفيز والجوائز والمسابقات، وغياب تبني الأعمال ونشرها. والأغرب تلك النظرة الدونية لكتاب الأطفالإذ يطرح الأسئلة الآتية: كم ندوة سنوياً تقام في لبنان لأدب الأطفال؟ وكم أمسية ولقاء؟ وكم برنامجاً إعلامياً تلفزيونياً أو إذاعياً يعدّ للأطفال وأدبهم؟ وكم مجلة تعنى بهوية الطفل في أدبه؟

والأغرب هرب قسم كبير من الكتّاب من القضية هذه، والميل إلى حاجات السوق والتجارة، كأني بالأديب ينسلخ عن واقعه.

صفوة القولنحن بأمسّ الحاجة إلى أدب أطفال يدعم قيم التسامح والتعايش ويظهر حضارة هذا البلد وتراثه وخصوصيته. والسؤال هنا: أليس أدب الأطفال فنّ المستقبل؟

بقلم انور الموسى

المصدر: النهار

https://www.annahar.com/article/956031-

 

 

Dislike
0