التعليم بين الواقع والمواقع...

خميس, 11/26/2020 - 14:31 -- siteadmin

أصبحت المعرفة المستدامة في القرن الحادي والعشرين من أهم الأمور التي تسعى إليها المجتمعات في النمط الثقافي الذي يعطي منظومة قيم، ما يؤدي إلى سلوك اجتماعي جديد. فالقيم الأساسية المشتركة بين أفراد المجتمع تكون مشتركة ومتجانسة؛ في الثقافة هي نتاج العقل في المجالات المادية، والفكرية، والسلوكية، ولكن مع ظل جائحة كورونا اتجه التعليم نحو مسار جديد ورؤية جديدة في المعلومات التي يستقيها الطلاب في المنازل التي أصبحت صفوفاً ذات مفهوم تلقين إلكتروني، تكنولوجي مباشر، تعدّ مفهوماً جديداً، ظاهرة جديدة في العالم، لكن مدى تقبل هذه الظاهرة قد اختلف من مجتمع لآخر، فمعظم الدول التي تقع في إطار الدول المتقدمة أو الصناعية، لم تجد أن لهذا النوع من التعليم الجديد فعالية رغم جودته؛ في الدول الآسيوية مثلاً ورغم التطور التكنولوجي الذي تشهده لجأت كما الكثير من دول العالم، إلى "التعليم عن بُعد" للطلاب في ظل أزمة "كورونا"، ولكن اعتُبرت هذه الطريقة أكثر بطءاً وكسلاً" للطلاب، فتحول الصف المدرسي إلى صف الفارغ الافتراضي دون ضوابط صفية، وخاصة في لبنان حيث بدأ الاستهزاء بهذا النوع من التعليم، وخاصة مع غياب التأهيل، والتدريب للطلاب والمعلمين، بالإضافة إلى ضعف جودة الإنترنت، والكهرباء.

هذا فالتحول الرقمي الذي يعتمد على التقنيات الرقمية في ابتكار المنتجات والخدمات، وتوفير قنوات جديدة من العائدات التي تزيد من قيمة منتجاتها، والذي يشير إلى التقدم الهائل في التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، إنما لكل عملة وجهان، الجيد والسيئ، الصواب والخطأ.

وبالنسبة للمعلمين، تعتبر التكنولوجيا شيئاً آخر يدعو للقلق مع الدروس الكثيرة، في حين أن التأخير وعدم معرفة مصير العام الدراسي هو أمر مقلق بالنسبة للطلاب، الأمر الذي جعل الدولة تعمل على المدى الطويل في تكييف مع التعليم الإلكتروني.
فالأستاذ الدكتور أمجد هديب عميد كلية الملك عبدالله الثاني لتكنولوجيا المعلومات في الجامعة الأردنية يقول: "أصبح لزاماً على جميع هيئة التدريس اعتماد التعلم عن بعد في ظل هذا الحظر، الأمر الذي شكل ضغطاً علينا مع وجود 52 ألف طالب وطالبة في الجامعة وأكثر من ألفي عضو هيئة تدريس. لكننا تمكنّا حتى الآن من تغطية 70% من المساقات المطلوبة".
هذا ونرى أن مكونات الحياة نفسها هي الطريق الطبيعي والمدخل الحقيقي لاستيعاب المعرفة والتفاعل معها والتأثر بها.

تكنولوجيا التعليم التفاعلي المباشر الذي نطمح لاستخدامها وتطبيقها بشكل فعال في برامج التعليم، تحتاج لمجهود ورؤية واستراتيجيات جديدة. لذا لا بد من تطوير مهارات المدرسين والإداريين والفنيين، وتطوير المناهج والمقررات الدراسية، واستخدام أنظمة وبرامج تفاعلية، واستخدام الانترنت في المدارس والجامعات بشكل أساسي ودائم باعتباره أحد الوسائل الضرورية المطلوبة في تنفيذ وتطبيق تقنيات التعليم الجديدة.

من هنا فالاستثمار في التعليم والتطوير في التفنن وتجويد التعليم وطرقه لا يمكن إلا أن يكون الرأس المال المعرفي، الثقافي الأثمن في تنمية الإنسان، تنمية شاملة متكاملة.
فالمدرسة، والتي تعتبر المؤسسة الاجتماعية الثانية في عملية التنشئة الاجتماعية وفي عملية نقل القيم، ولكن يمكن اعتبارها الاولى التي تعامل الطفل بشكل غير مباشر، حيث يختبر علاقة المساواة مع رفاقة ويحاسب على مبدأ الجدارة والكفاءة.
ومن الجدير ذكره أنه كلما تقدمنا بالسنين، يتعاظم دور المدرسة في هذا المجال، وذلك يعود إلى تناقص سن الالتحاق المدرسي. وهنا يجب أن نميز بين طريقتي التعليم:

الأولى تعتمد على التلقين، والذي يعتبر وجهاً آخر للطاعة الأبوية، ويكون دون مشاركة الطلاب وبعيداً عن الحوار، والثانية التي تسمى الطرق الناشطة في التعليم وهي تعتمد على الحوار والمشاركة، والانشطة اللاصفية، ما يؤدي إلى الإبداع، والابتكار، وتكون هنا المدرسة وسيلة لتجدد القيم التي يكتسبها الفرد، وخاصة الطالب.

لكن ومع كورونا وطرق التعليم تداخلت لتصبح إلكترونية تلقنية، يعيش فيها الطالب في عالم افتراضي قائم على الضياع العلمي والتعلمي.
ورغم أن هذا التطور في المجال التعليمي أثبت وجوده في عصرنا، لكن في لبنان لا يمكن أن نضع آمالاً ونجاحاً عليه بسبب ضعف التدريب والتأقلم التكنولوجي المعرفي ومع غياب وجود الانترنت والتربية التكنولوجية لدى الطلاب وخاصة طلاب المرحلة التمهيدية والابتدائية والمتوسطة.

لذلك فإننا نرى أن نجاح المدرسة الالكترونية الذكية يمكن مع توفير المتطلبات الأساسية (تدريب حول استخدام هذه التكنولوجيا، توفر الانترنت، أدوات تكنولوجية مساعدة للمعلمين...)
فهذه الطريقة المحدثة في مجال التعليم لا يمكن اعتمادها إلا في المرحلة الثانوية، والجامعية، هذا باعتماد التدريب والتأهيل المادي والمعنوي أيضاً، فإن التطور في وسائل الاتصال والتواصل أدى إلى إعطاء وخلق قرية معرفية افتراضية وعالم افتراضي جديد بدأ يغزو العالم بوجود صراع ثقافي قيمي وخاصة في عالم الطفولة في مجالاته ومنها مجال التعليم، ليجعل الإنسان حقاً عبداً للآلة التي أجبرت الإنسان بشكل أو بآخر على التعايش معها، لتصبح الحرب هنا بين العقل والتكنولوجيا. حرب بين الشاشة والقلم، الكتاب والانترنت، بين التلقين والطرق الناشطة، بين المحدود واللامحدود، بين الواقع والمواقع.

بقلم أكارم أبو ليلا

المصدر: النهار

https://www.annahar.com/arabic/section/237-%D8%AD%D8%B1%D8%B1-%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%83/25112020080818007