النشاط المفرط لدى الأطفال: أبعد من «حدود اللياقة»

ثمة «شعرة» فاصلة بين الحيوية وفرط النشاط لدى الأطفال. فليس بالضرورة أن تكون حيوية الأطفال اضطراباً حركياً. ولكن، لا يعني ذلك أن تتغاضى الأمهات عمّا يمكن يكون اضطراباً يمكن أن يؤسس لمرضٍ مزمن إذا لم يُعالَج

غالباً ما تواجه الأمهات مسألة النشاط المفرط لدى أطفالهن. هذه المسألة التي تضع الكثيرات منهن في موقف محرج أو مزعج عندما يشعرن بأن أطفالهن تخطَّين «حدود اللياقة». لكن، ما يفوت الأمهات المنزعجات منهن والمنتقدات أيضاً، أن ما يعاني منه الأطفال من النشاط المفرط في الطفولة قد يؤسس لمرض يحتاج للعلاج في العمر اللاحق. ولعل السؤال الملحّ هنا، والذي يجب أن تسأله الأمهات هو: هل يعاني طفلي من اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه؟ أم أنه مجرد عارض يخفت رويداً رويداً كلما كبر الطفل؟ وغالباً ما تكون الإجابة عن السؤال في «تفحّص» العوارض وتقييمها.

لكن، قبل الدخول في تفصيل العوارض، من المفيد التعرف، طبياً، إلى مصطلح اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، فما هو؟
أول ما يمكن البدء به في وصف هذا الاضطراب، أنّ عدم اكتشافه في وقت مبكر سيؤسس ــ لا محالة ــ لحالة مزمنة. أما الخطر الآخر، فيتمثل في شيوع هذا «المرض» الذي يصيب ملايين الأطفال ويلازمهم حتى مرحلة البلوغ. قد يثير تشخيص الاضطراب مشاعر الخوف لدى الأهل، وقد تشكل الأعراض التي تصاحب الاضطراب تحدياً يحتّم عليهم وعلى أطفالهم، على حد سواء، مواجهته.

أما ما هي أعراضه؟

تعاني غالبية الأطفال من أعراض الاضطراب بحدَّيه: فقدان التركيز وفرط النشاط. نادراً ما تأتي الأعراض بجانب واحد، إلا أن العلامات والأعراض تتبلور قبل بلوغهم سن السابعة. حتى أن الأعراض الأولى يمكن أن تظهر، لدى بعض الأطفال، في سن أصغر، كأن تظهر في فترة الرضاعة، مثلاً.

ومن الأعراض التي تدلّ على الإصابة باضطراب نقص الانتباه والتركيز:

ـ فقدان القدرة، في معظم الأحيان، على البقاء منتبهاً ومتيقظاً أثناء القيام بمهمات معينة، واجبات مدرسية أو أثناء اللعب، بحيث يبدو الطفل كأنه غير منصت إلى ما يقال له، حتى عندما يُتوجَّه إليه مباشرةً، يُظهر الطفل صعوبةً في تنفيذ التعليمات أو تتبعها، ولا ينجح، في معظم الأحيان، في إتمام واجباته المدرسية، واجباته البيتية أو واجبات أخرى.
-
الصعوبة في التنظيم أثناء إعداد الواجبات المدرسية أو خلال تنفيذ مهمات أخرى.
-
التهَرّب من تنفيذ الواجبات التي لا يحبها والتي تتطلب بذل مجهود فكري، مثل الواجبات المدرسية في المدرسة أو الوظائف البيتية.
-
الميل كثيراً إلى إضاعة الأغراض، مثل الكتب، الأقلام الألعاب والأدوات.
-
يمكن إلهاء الطفل المصاب بهذا الاضطراب، بسهولة فائقة.
-
يميل الطفل إلى الإجابة قبل الانتهاء من سماع السؤال ولا يستطيع، في معظم الأحيان، انتظار دوره والتزامه.
-
يميل إلى مقاطعة الحديث أو التشويش عندما يتحدث آخرون أو يلعبون.
من هنا، وفي حال استمرار تلك العوارض لمدة زمنية تزيد على ستة أشهر، وظهورها في أكثر من إطار واحد (في المدرسة وفي البيت على حد سواء)، يجب على الأهل التنبه والبحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك.

ما بين الموروث والمكتسب

يميل كثير من الأهالي إلى إلقاء اللوم على أنفسهم عند تشخيص إصابة طفلهم باضطراب فرط النشاط، إلا أن الباحثين يزدادون اقتناعاً، مع مرور الوقت، بأن العوامل المسببة للاضطراب تعود إلى الصفات الوراثية، لا إلى الاختيارات السيئة، أو المغلوطة، التي يقررها الأهل.
وفي الوقت ذاته، هنالك عوامل بيئية معينة قد تؤثر بتصرفات الطفل أو قد تفاقِم حدتها.
ورغم أنه لم يُكشَف إلا عن القليل من خبايا اضطراب نقص الانتباه والتركيز، إلا أن الباحثين قد تمكنوا من تحديد بعض العوامل التي يمكن أن يكون لها تأثير في هذا الاضطراب:
-
التغيير في بنية الدماغ أو أدائه: بينت مسوحات الدماغ حدوث تغييرات مهمّة في بنية الدماغ وأدائه لدى الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب. فقد لوحظ، مثلاً، وجود نشاط متدنٍّ في المناطق الدماغية المسؤولة عن النشاط والانتباه.
-
الوراثة: يبدو أن هذا الاضطراب ينتقل وراثياً من جيل إلى جيل. فقد دلّت الأبحاث على أن 1 من كل 40 طفلاً من الذين يعانون الاضطراب لديه قريب عائلي واحد، على الأقل، يعاني من الاضطراب ذاته.
-
تدخين الأم خلال الحمل واستعمال مواد تسبب الإدمان والتعرض للمواد السامّة: المرأة الحامل التي تدخن تزيد من احتمال ولادة طفل يعاني من اضطراب نقص الانتباه والتركيز. كذلك إن الإفراط في تناول المشروبات الروحية وتعاطي المواد التي تسبب الإدمان أثناء فترة الحمل من شأنه أن يسبب هبوطاً في نشاط الخلايا العصبية التي تنتج الناقلات الكيميائية بين الأعصاب. وتكون النساء الحوامل اللواتي يتعرضن لملوثات بيئية سامة أكثر عرضةً لولادة أطفال مع أعراض اضطراب نقص التركيز والانتباه.
أما عوامل الخطر التي تزيد احتمال الإصابة باضطراب نقص الانتباه والتركيز، فهي:
-
تعرّض الجنين لمواد سامّة: التدخين، شرب الكحوليات أو تعاطي المواد التي تسبب الإدمان، في فترة الحمل.
-
تاريخ عائلي من الإصابة بهذا الاضطراب أو باضطرابات سلوكية أو نفسية أخرى.
-
الولادة المبكرة

المضاعفات

قد يجابه الأطفال المصابون بالاضطراب الكثير من المصاعب في حياتهم إثر الإصابة، ومنها:
-
اضطراب المعارضة والتمرد.
-
اضطرابات سلوكية.
-
الاكتئاب.
-
العُسر التعلّمي.
-
متلازمة «توريتت».

التشخيص

ليس هنالك اختبار واحد لتشخيص هذا الاضطراب، ما يصعّب عملية تشخيصه. ويعد جمع أكبر قدر من المعلومات التي تتعلق بالطفل المصاب أفضل الطرق لتشخيص هذا الاضطراب بدقة ولنفي احتمال الإصابة باضطرابات أخرى كثيرة قد تصيب الأطفال في مرحلة الطفولة.
تبدأ المرحلة الأولى من التشخيص بإجراء فحص طبي شامل للطفل، يتخلله توجيه أسئلة تتعلق بالصحة العامة للطفل والمشاكل الطبية وظهور علامات أو أعراض ومشاكل ومسائل أخرى قد تظهر في محيط المدرسة أو المنزل.
ويبدي الأطفال المصابون علامات على امتداد فترة طويلة، ويُظهرون صعوبة كبيرة، ولا سيما في الحالات الضاغطة، أو أثناء القيام بنشاط يتطلب قدراً عالياً من الانتباه والتركيز كالقراءة وحل المسائل الحسابية أو الألعاب التفكيرية.
يعتقد معظم الأطباء أنّ من غير الصحيح تصنيف طفلٍ ما على أنه يعاني من الاضطراب إلا إذا ظهرت لديه علامات وأعراض واضحة وحاسمة في فترة الطفولة المبكرة أسهمت في خلق المشكلات في البيت أو في المدرسة بنحو دائم.
ولتأكيد الإصابة من عدمها، ينبغي أن تتوافر لدى المصاب ستة أعراض، على الأقل، أو أكثر، من الأعراض المُدْرَجَة في واحدة، على الأقل، من الفئتين الآتيتين: فئة نقص الانتباه، وفئة فرط النشاط أو السلوك الاندفاعيّ.
العلاج
تتضمن علاجات الاضطراب لدى الأطفال المعالجة الدوائية والاستشارة، بنحو أساسي.
لكن ثمة علاجات أخرى تساعد في تخفيف حدة الأعراض، تشمل: تنظيم وتحديد حيّز خاص للطفل في داخل الصف المدرسي، إضافة إلى الدعم العائلي والبيئي - الجماهيري.

ـ العلاج الدوائي:

الأدوية المنشّطة والأدوية المهدّئة هي العلاجات الدوائية الأوسع انتشاراً، اليوم، لمعالجة الاضطراب لدى الأطفال.
وبالرغم من أن العلماء لا يعرفون تماماً، حتى الآن، كيفية تأثير العقاقير الدوائية، إلا أن الانطباع السائد بينهم هو أن الأدوية تعمل على تنشيط الدماغ وموازنة مستويات المواد الكيميائية وتركيزها في الدماغ، والمعروفة باسم الناقلات الكيميائية بين الأعصاب.

ـ المعالجة بالاستشارة:

يجني الأطفال المصابون بهذا الاضطراب، غالباً، فائدة كبيرة من محادثات العلاج بالاستشارة والتوجيه، أو من العلاج السلوكي. جميع هذه العلاجات يمكن تلقيها من قبل مجموعة من الاختصاصيين، تشمل: الطبيب النفسي والمعالج النفسي أو العامل الاجتماعي أو اختصاصيين مؤهلين في مجالات الصحة النفسية المختلفة ومُجازين لتقديم هذه العلاجات.

الوقاية من قصور الانتباه وفرط الحركة:

ليست هنالك أية طريقة لمنع الإصابة باضطراب فرط النشاط والوقاية منها تماماً، إلا أن هناك بعض الخطوات التي يستطيع الأهل تتبعها لمنع الأعراض والمشكلات الناجمة عن الاضطراب ولضمان الصحة الجسدية والنفسية والعاطفية للطفل قدر الإمكان. ومن بين هذه الخطوات:
-
في فترة الحمل: يجب تجنب جميع الممارسات والسلوكيات التي من شأنها أن تلحق الضرر بتطور سليم للجنين، مثل الامتناع عن شرب الكحوليات وتدخين السجائر أو استهلاك المواد التي تسبب الإدمان.
-
يجب المحافظة على الطفل وحمايته من التعرض لمواد ملوّثة وسامّة تشمل: دخان السجائر والمواد الكيميائية المصنعة أو المبيدات الحشرية الزراعية والدهانات التي تحتوي على الرصاص.
-
على الأهل الاهتمام ببناء نظام يومي ثابت لأطفالهم، يفصّل للطفل بأقصى الوضوح ماهية توقعات الأهل ومطالبهم منه، في كل ما يتعلق بساعة الإخلاد إلى النوم مساءً وساعة الاستيقاظ صباحاً وأوقات الوجبات وأوقات إتمام المهمات المنزلية البسيطة وأوقات مشاهدة التلفاز.
-
على الأهل الامتناع عن القيام بأعمال متعددة عند تحدثهم مع الطفل، إذ من الضروري المحافظة على التواصل البصري مع الطفل لدى إملاء التعليمات. ويُنصح بأن يتفرغ الأهل لبعض الدقائق، يومياً، من أجل الإطراء على الطفل وامتداحه.

المصدر: الاخبار

http://al-akhbar.com/node/290068

 

 

Topic: